يعيش لبنان اجتياحا إسرائيليا جديدا ،يتجاوز اجتياح العام 1982 وسقوط العاصمة بيروت، فالإجتياح الجديد بالعملاء والجواسيس قد أسقط لبنان كله أفرادا وجماعات ومؤسسات في فخ المراقبة والتنصت الإسرائيلي، بعدما انكشف الإختراق الإسرائيلي لشبكة الإتصالات وتحول اللبنانيون إلى دمى متحركة بيد الإسرائيلي فيتم الإتصال باسمها ومن رقمها دون علمها ودون قيامها بالفعل، بحيث تم اجتياح المواطن وخصوصياته التي صارت رهينة المكائد والقرصنة والخطط الإسرائيلية.
والسؤال المطروح ماذا بقي من لبنان وسيادته أمام الإسرائيلي ومفرداته الإستخباراتية والعسكرية..؟ فالأجواء اللبنانية مستباحة للطيران الإسرائيلي والأرض مستباحة بالعملاء والجواسيس والإختراقات البرية ، والبحر مستباح أمام البوارج المعادية والمواطنون تستباح حريتهم وخصوصياتهم، ويدفعون بدل مراقبتهم والتننصت عليهم عليهم بفاتورة رسمية،مع ضريبة القيمة المضافة.
وتجاوزت إسرائيل جميع المحاذير، إما على أساس الغرور والإستهزاء بأعدائها، وإما أن حماقة جنرال يستعجل الإنخراط في العمل السياسي، حيث بادر رئيس الأركان أشكينازي للتنبؤ بموعد إصدار القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي هي قضية لبنانية بامتياز، ولو كانت تحت إشراف دولي ،وليستكمل تنبؤاته فقد توقع بيقين العارف والمخطط بأن القرار الإتهامي سيعقبه التوتر والفتنة الداخلية في لبنان، وهذا يعني إما أنه الناطق الرسمي باسم المحكمة رغما عنها ،أو أنه من العارفين بأسرارها أو المشاركين في صياغة قراراتها ،وفي كلا الإحتمالين فإن المحكمة تفقد عدالتها وحيادها وتسقط في فخ التسييس والتضليل بعد شهود الزور لتتحول إلى أداة مواجهة أو قمع لقوى المقاومة والممانعة.
هل تحمل الشهور القادمة إرهاصات عواصف سياسية وأمنية عالية التوتر نتيجة استحقاقات أقليمة ودولية داهمة تتمثل بالإنسحاب الاحتلال الأميركي من العراق إلى أفغانستان والحصار الأميركي لإيران بحجة ملفها النووي.؟.
إن الهدف الأميركي الأساسي يتمثل بكيفية حماية الكيان الصهيوني من خلال إضعاف او تدمير القوى المعادية له وتدعيم المجموعات والأنظمة الحليفة أو المهادنة لإسرائيل والتي سهلت إجراءات التطبيع والعلاقات الدبلوماسية والأمنية والإقتصادية.
ولأن لبنان يشكل رأس الحربة في مواجهة الكيان الإسرائيلي سواء بالدفاع عن سيادته وثرواته ويمثل النموذج العملي والنظري لنهج المقاومة الناجح والمؤثر في تغير معادلات التبعية والإلغاء ،والإنتقال لدائرة التحرر والقرار المستقل، فلا بد من ضرب هذا المنهج السياسي والحضاري وبكل الوسائل الممكنة من المساعدات الإجتماعية الأمنية للسفيرجيفري فيلتمان إلى هوايات التصوير المشبوهة عند جنود اليونيفيل إلى الإختراقات الإسرائيلية المستمرة إلى الاغتيالات في صفوف المقاومة إلى الإقلاق والإشغال الداخلي للمقاومة بالسجال حول سلاح المقاومة إلى المحكمة الدولية لإشعال الفتنة المذهبية التي تم إخمادها أكثر من مرة، والتي يمكن ان يستولد قرارها الظني او الإتهامي الخاطىء ،ردا شبيها لما أحدثه قرار الحكومة الشهير بشأن شبكة إتصالات المقاومة ، أم أن هذا القرار لم يكتب بعد وما يتسرب بخصوصه هو بالونات إختبارية لمعرفة ردة فعل المقاومة وحلفائها على القرار قبل صدوره، ليتم تعديله وفق الممكن قبل إصداره ..؟.
اللبنانيون أمام إمتحان صعب و منعطف خطير ،سيؤدي إما إلى الإنزلاق لخطر الحرب الأهلية المتعددة الأطراف والساحات، وإما إلى المواجهة مع إسرائيل وما يسمى المجتمع الدولي، وإما إلى الوحدة الوطنية والإدارة السياسية الحكيمة والعاقلة.
الشهور القادمة حبلى بالملفات الحساسة والخطيرة،فإما أن تلد الفتنة وتحرق الأخضر واليابس في كل لبنان، أو تبشر بولادة جديدة لشراكة طنية تسمو فوق الفتن والمخططات الصهيونية التي ما زالت تنخر في الجسد اللبناني منذ العام 1948 وكانت ذروتها في الحرب الأهلية ،التي يجب محاصرة ولادتها الجديدة بتعاون جميع اللبنانيين بدون استثناء.